كنت أبكيك بدموع وصوت, ثم أصبحت أبكيك بدموع بلا صوت, ثم أصبحت أبكيك بلا دموع. والآن, أبكيك بلا دموع.. وبلا صوت.
عندما كنت أبكيك بدموع وصوت..
كنت أشعر بأن شيئاً ما في داخلي يتمزق وأن رياحاً قوية من الرعب تزلزل أركان أمني
وأن هذا الكون أضيق من اتساعه لي
وأن كل الكائنات تسمع صوت بكائي
فكنت أضع يدي على فمي
لكن الصوت أقوى من أسوار يدي المرتعشة
فكان البكاء يتسرب كالنحيب مني
فأدفن وجهي في وسادتي
أهديها دمعي وأنيني
فكنت أسمع شيئاً يشبه الأنين يصدر مني
وأن قوافل من الحزن تجرني نحو مدن البكاء
فلا أتوقف عن البكاء
فحين تمتزج الدموع بالصوت
تمتزج أعماقنا بالرعب
هل تعلم؟
كان يخيل إلي وأنا أبكيك بصوت
أن شيئاً ما في داخلي يحدثك ويتحدث إليك
كنت أناديك!
برغم يقيني أن صوتي لا يصلك
فدروبك غير قابلة لتسرب الصوت إليك
وعندما كنت أبكيك بدموع بلا صوت..
كنت أشعر بأن الحزن أكبر من الصوت
وأن الصوت لا يعبر دائماً عن الحزن
فأبحث عن صوتي كي أتنفس
لكن صوتي يخذلني
ويفر كالطائر الجريح في براري الحزن مني
ويرعبني اكتشافي حجم الفراغ حولي
وأن لا شيء معي سوى عيني
اللتين اعتادتا النزف بلا حدود كلما ودعتك
أو داخلني إحساس مقلق بفراقك
أو أشعلتني نيران الغيرة عليك
وعندما كنت أبكيك بصوت بلا دموع..
كان يخيل إلي أني في كهف مظلم
تسكنه خفافيش الوحدة وغربان الفراق
يطاردني الخوف كوحش مفترس جائع
فأنادي عليك ليعود صوتي فيرتطم بي
وأتوه في كهوف الذهول وحدي
وأنقب عن ينابيع دموعي كي أسقي أراضي غيابك القاحلة
فلا أجد في عيني سوى جفاف الألم
وأراض تصدعت وتكسرت من شدة الجفاف
عندها أدرك أنني بكيتك حتى جفت حزناً عليك عيناي
وعندما أبكيك بلا دموع.. وبلا صوت
أكون في قمة ألمي وقمة ذهولي وقمة معاناتي
وأرتعب.. أرتعب جداً!
لأني أدرك عندها أنني أقف فوق قمم الأشياء
وأن السقوط يلي القمة
وأني لا أجيد الطيران عالياً.. وبعيداً
وأن إحساسي بك في انخفاض مخيف
وأنك في داخلي تتجه نحو النهاية
وأن عدك التنازلي بي قد بدأ
مع التحية